تعويم العملة: كل شيء عن تعويم سعر صرف العملة!

تعويم العملة هو ترك سعر صرف العملة يتحدَّد وفقا لقوى السوق، بما في ذلك العرض والطلب. و بعد التعويم يصبح سعر العملة متقلبًا باستمرار مع كل تغير في كمية العرض أو الطلب.

بمعنى آخر، عندما تعتمد دولة نظام تعويم العملة،  فإنها تتيح للقوى السوقية تحديد قيمة عملتها بالنسبة للعملات الأخرى. أي لا تتدخل الحكومة أو البنك المركزي في تحديد سعر صرف العملة.

اقرأ أيضا: 10 من أرخص العملات في العالم

مثال لتبسيط تعويم العملة

العملة هي كأي سلعة في السوق، فلنفرض أن الدولة تقدم سلعة السكر للمواطنين بسعر مدعم بشكل كامل (كالمركزي عندما يقدم العملة بسعر صرف ثابت أمام العملات الأجنبية) حيث تستورد السكر من الخارج وتقوم بإعطائه للمواطنين بسعر ثابت غير قابل للتغير، ففي مقابل كيلو سكر واحد سيدفع المواطن 3 ريالات، وفي حال ارتفع سعر السكر أو انخفض في العالم سيظل سعر السكر 3 ريالات، وليس على المواطن التفكير هنا بآثار انخفاض سعر السكر أو ارتفاعه عالميًا عليه، بينما ستتحمل الدولة كامل هذا الحمل.

ولكن الحقيقة أن الدولة ليست لوحدها في السوق، فهناك التجار والمستوردون الذين يوردون للسوق كميات سكر من نوعيات مختلفة يحاولون تقديمه بسعر أدنى من سعر الدولة (مضاربة) فتحاول الدولة مجاراتهم بتقديم دعم أكبر للسلعة بهدف خفض السعر أكثر.

وفجأة لم تعد الدولة قادرة على تحمل فاتورة الدعم، فتقوم بالتخلي عن سياسة الدعم مقابل تبني سياسة تحريرية (أو تعويم السعر) وتوكل للتجار في السوق عملية تحديد سعر الكيلو وفق ما يقتضيه العرض والطلب، ليصبح السعر وقتها مرتبط بالسعر العالمي للسكر.

اقرأ أيضا: 10 من أغلى العملات في العالم

أنواع تعويم العملة

تختلف سياسات البنوك المركزية حيال تعويم العملة ، ويشار إليه ايضا باسم سعر الصرف العائم (floating exchange rate) ، وذلك تبعاً لمستوى تحرر اقتصاد البلد المحلي، وكفاءة أدائه، ومرونة جهازه الإنتاجي. ويعني ذلك أن البنوك المركزية تحرر صرف العملة إما بشكل كامل أو بشكل جزئي:

التعويم الحر (الكامل):

بحيث لا يتدخل المصرف المركزي في تحديد سعر الصرف مطلقًا، وإنما يتحدد من خلال آليات العرض والطلب في السوق. ويُتَّبع هذا الشكل من تعويم العملات في بعض البلدان الصناعية المتقدمة مثل الدولار الأمريكي والجنيه الإسترليني والفرنك السويسري.

التعويم المرن (الجزئي):

يتم ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب، مع بقاء هامش للمركزي للتدخل حسب ما تقتضيه الحاجة من أجل توجيه وتعديل سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الاجنبية. وينتهِج هذا الاسلوب من تعويم العملة بعض البلدان النامية التي تربط سعر صرف عملتها بالدولار الأمريكي أو الجنيه الإسترليني أو الفرنك الفرنسي (سابقاً) أو بسلَّةٍ من العملات مثل مصر والمغرب والسودان.

مميزات وعيوب تعويم العملة

يؤدي التعويم عملياً إلى إحدى حالتين: رفع قيمة العملة المحلية أو خفضها، وكلتا الحالتين تؤثران في الأسعار وفي التجارة الخارجية وفي النمو الاقتصادي  عامةً، وتختلف هذه الآثار بحسب طبيعة البلد الذي عوَّم عملته، إذ تختلف هذه الآثار في البلدان الصناعية المتقدمة عنها في البلدان النامية.

ففي حال أدى تعويم عملة ما إلى ارتفاع سعر صرفها مقابل بقية العملات، أي إلى ارتفاع سعر معادلتها مع العملات الأجنبية؛ فإن ذلك يؤثر سلباً في حركة الصادرات، لأن أسعار السلع المحلية تصبح مرتفعة للمستوردين الأجانب فينخفض الطلب عليها (وفقاً لدرجة مرونة الطلب)، ويؤدي ذلك إلى زيادة الواردات لأن أسعار السلع الأجنبية تصبح أرخص للمستوردين المحليين، مما يسهم في عجز الميزان التجاري، ويمكن أن تتشجع رؤوس الأموال المحلية للاتجاه نحو الاستثمار الخارجي لأنه أصبح في الإمكان مبادلة وحدة العملة المحلية بوحدات أكثر من العملة الأجنبية، وبذلك يتأثر ميزان مدفوعات الدولة تأثراً سلبياً، وتتأثر الصناعة المحلية بتعرضها لمنافسة الواردات، ويتباطأ النمو وترتفع درجة البطالة.

وفي حال أدى تعويم عملة ما باتجاه انخفاض سعر صرفها ـ أي انخفاض سعر تعادلها مع العملات الأخرى ـ فإن ذلك يؤدي إلى جعل أسعار السلع المستوردة أغلى بالنسبة للمقيمين، مما يُفترض أنه سيحد من شراء السلع القادمة من الخارج ويشجع الإقبال على المنتجات المحلية.

وإذا حصل ذلك، فنتيجته الطبيعية هي تراجع حجم الواردات وبالمقابل، تصبح أسعار السلع المصنعة محليا أرخص بالنسبة للأجانب، مما يُفترض أنه سيعزز القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية ويرفع بالتالي من حجم الصادرات إلى الخارج.

وإذا تراجعت الواردات وتضاعفت الصادرات بما يكفي، فإن ذلك يعيد الميزان التجاري إلى حالة التوازن.

مخاطر تعويم العملة

إن الآثار الاقتصادية لتعويم العملات المذكورة أعلاه لا تنطبق تماماً ولا تصح في حالة البلدان النامية وذلك لعدة أسباب أهمها أن الطلب العالمي على صادرات البلدان النامية في معظمه عالي المرونة، والجهاز الإنتاجي لديها ضعيف نسبياً وغير قادر على تلبية الطلب الخارجي، إن وجد، وهي تنفذ معظم تجارتها الخارجية بعملات أهم شركائها التجاريين، وليس بعملتها المحلية، وتقيّد على حركة العملة المحلية كثيراً.

وتشهد تجربة بعض البلدان النامية مثل المكسيك والأرجنتين على ذلك، فقد كان تخفيض قيمة العملة بهذين البلدين مصاحبا في أغلب الأحيان بتصاعد التضخم وتراجع الإنتاج.

متى تتجه الدول لتحرير صرف العملة؟

تلجأ الدول إلى قرار تخفيض قيمة عملاتها المحاية بشكل أساسي من أجل إعادة التوازن إلى موازينها التجارية التي تعرف عجزا هاما وبنيويا، أو على الأقل للتخفيف من حجم هذا العجز.أيضا من أجل إيقاف نزيف الموازنة، واستمرار ارتفاع المديونيات. ومن اجل تعزيز تنافسية الاقتصاد المحلي والمضي نحو ولوج أسواق جديدة وتنويع شركاء البلد الخارجيين.

كانت الولايات المتحدة الأمريكية أبرز من استخدم سياسة تعويم العملة على الصعيد العالمي للحفاظ على مواقعه التنافسية وخدمة أغراضه السياسية والاقتصادية. وفي محاولة لمواكبة هذه التطورات الاقتصادية والسياسية الجديدة أقرت اتفاقية صندوق النقد الدوليفي أيار1976 تعويم العملات خطوة على طريق إصلاح النظام النقدي الدولي.

وحررت دول عدة مثل الصين والهند والبرازيل والأرجنتين وماليزيا سعر صرف عملتها، لكن هذه التجارب لم يحالفها النجاح بنسبة كبيرة، إلا في الصين والهند، بفضل الصادرات المرتفعة، وتدني أسعار منتجاتها، ما عزز الإقبال عليها خارجيا ومحليا.

خلاصة

يدافع منظرو المدرسة النقدية في الاقتصاد والتيار الكلاسيكي الجديد في الاقتصاد بشراسة على مفهوم تعويم العملة، إذ يزعمون أن تحرير أسعار صرف العملات بتركها للسوق يقوم بتحديد سعرها من دون أي تدخل أو توجيه من قبل الدولة يضمن دائمًا الوصول إلى حالة التوازن في الاقتصاد بحيث يتحدد السعر العادل، والوصول لهذا السعر نابع من اعتقادهم بكفاءة الأسواق وعقلانيتها التي ستوصل الجميع لتحديد هذا السعر.

بينما يعتقد معارضو تعويم العملة أن العالم يعيش أيضًا حالة من عدم الاستقرار النقدي بسبب التقلبات المستمرة والكبيرة في أحيان لأسعار صرف العملات مقابل بعضها البعض والتي باتت محكومة بحركة المضارية العالمية.

لا يزال اقتصاديو العالم عالقين في دوامة إشكالية آلية سعر الصرف العادلة التي تحقق الاستقرار للاقتصاد المحلي والاقتصاد العالمي على حد سواء، وإلى الآن الجدل قائم حول هذا الموضوع، في حين تبقى الحلول المجتزأة هي الظاهرة، من خلال اجتماع قادة العالم ومحاولة الاتفاق على آلية وسياسة معينة لسعر صرف لا يضر العلاقات التجارية بين بعضها البعض، علمًا أنها دائمًا ما تبوء بالفشل.

أضف تعليق

آخر مقالات الموقع